الرئيسية / الفعاليات العلمية / مقالات / خلايا الحبل السري في مواجهة كوفيد-19

خلايا الحبل السري في مواجهة كوفيد-19

بقلم م.م. ألق حميد/ كلية التمريض/ فرع صحة الأم والتوليد

 

حسب بيانات نشرتها منظمة الصحة العالمية , تم تسجيل 14 تجربة سريرية لعلاج العدوى بفيروس كورونا بواسطة الخلايا الجذعية.

منذ ظهوره لأول مرة في اواخر عام 2019, تفشى فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض ”كوفيد- 19″, مصيبا قرابة 13 مليون شخص حول العالم, ومتسببا في وفاة قرابة النصف مليون حتى منتصف يوليو 2020.

الضائقة التنفسية الوخيمة الناجمة عن فيروس كورونا انتشرت بسرعة الى وباء عالمي  وفي بعض المرضى تكون الحالات شديدة الالتهاب الناتجة عن استجابة مناعية غير منتظمة, ومع بداية انتشار المرض كان الأطباء والباحثون حول العالم يعملون معاً؛ من اجل التحسين من مضاعفات  المرض من جهة, والبحث عن لقاح ناجع للوقاية  من فيروس كورونا  أو دواء جيد يمكن استخدامه للحالات المتقدمة من جهة أخرى.

في هذا السياق, كانت عيون الأطباء والباحثين متجهة صوب خلايا الحبل السري  باعتبارها إحدى الطرق العلاجية التي تكون ذات فائدة محتملة من خلال تعديل الاستجابات المناعية لدى المرضى المصابين ب كوفيد-19. حصل الباحثون على الخلايا الجذعية الوسيطة للحبل السري “UC-MSCs” والتي يمكن ان تتكاثر بسرعة لغرض استخدامها في التجارب ، الأمر الذي صاحبته حالة من الجدل كالتي تصاحب عادة الخلايا الجذعية وجوانبها  التطبيقية والتجارية.

ما هي خلايا الحبل السري؟

يحتوي الحبل السري على الملايين من الخلايا الجذعية الغنية والنقية, خلايا يمكن تخزينها عند الولادة ويمكن استخدامها لعلاج أكثر من 85 حالة مرضية. تتم مشاركة الخلايا الجذعية في الحبل السري بين الأم والطفل في أثناء الحمل.

 

الخلايا الجذعية هي المواد الخام بالجسم,  فهي الخلايا التي تتولد منها جميع الخلايا الأخرى ذات الوظائف المتخصصة وتنقسم الخلايا الجذعية إلى نوعين من الخلايا: الخلايا الجذعية المكونة للدم (HSCs)، والخلايا الجذعية المسينية (MSCs) ويمكن لكل نوع ان يتحول الى خلايا وانسجة مختلفة, مثل خلايا الدم البيضاء والحمراء, والأنسجة العصبية والعضلية, كذلك يمكن للخلايا ان تتكرر إلى اكثر من 200 نوع من الخلايا المتخصصة ( المتمايزة) المرتبطة بوظيفة الجهاز المناعي، ولا توجد خلايا أخرى في الجسم لها هذه القدرة الطبيعية على توليد أنواع خلايا جديدة لإصلاح الخلايا التالفة.

وخلال السنوات السابقة، تزايد الاهتمام بأبحاث الخلايا الجذعية؛ نظرًا لما يمكن أن تمثله من فائدة في علاج العديد من الأمراض. البداية كانت مع “إرنست  ماكولوتش” و”جيمس تيل”، اللذَين تمكَّنا في عام 1960 من اكتشاف أول نوع من الخلايا الجذعية التي تقوم بتكوين خلايا الدم. بعدها مرت رحلة الأبحاث بمحطاتٍ عدة، كان أهمها اكتشاف الخلايا الجذعية الوسيطة (Mesenchymal Stem Cells) على يد العالِم الأمريكي “أرنولد كابلان” -الأستاذ بجامعة “كيس ويسترن ريزيرف”- في عام 1991. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف أبحاث “كابلان”؛ إذ تجرى الآن أكثر من 800 تجربة سريرية باستخدام هذا النوع الأخير من الخلايا في أماكن مختلفة من العالم.

 

الخلايا الجذعية و كوفيد-19

بالنظر لعدم وجود علاج فعال لعدوى فيروس كورونا, لفت العلماء الانتباه الى إمكانية استخدام الخلايا الجذعية لتقوية جهاز المناعة لدى المرضى.

حين يدخل فيروس كورونا إلى الجسم، يتعرف على الخلايا عن طريق الارتباط بمستقبِل يُعرف بـ”الإنزيم المحول للأنجيوتنسين”، ويوجد هذا المستقبِل في العديد من خلايا الجسم وعلى رأسها خلايا الرئة والشعيرات الدموية. وقد يتسبب الفيروس في حدوث حالة من الالتهاب العام ترتبط بارتفاع كبير في مستوى السيتوكينات (بروتينات تنسق استجابة الجسم ضد العدوى، وتسبب الالتهاب، تفرزها العديد من الخلايا، خاصةً المناعية).

وفي الحالات الشديدة من مرض كوفيد-19، يفرز الجسم هذه المواد بصورة كبيرة لتتسبب فيما يسمى بـ”عاصفة السيتوكين” التي تؤذي العديد من الخلايا والأعضاء.

ومن العناصر التي أثارت الاهتمام للاستخدام في العلاج المناعي، ظهرت الخلايا الجذعية بأنواعها التي تعمل على إفراز العديد من السيتوكينات التي تتفاعل مع الخلايا المناعية وتقوم بتعديل وظيفتها.

وعلاوة على ذلك, نشرت العديد من الدراسات التي تناقش إلى أي مدى يمكن استخدام الخلايا الجذعية في علاج كوفيد-19 إلى أن تم وضعها بالفعل محل التنفيذ من قِبَل مجموعة من الباحثين الصينيين. في أبريل الماضي، لجأ فريق بحثي صيني إلى تقييم استخدام الخلايا الجذعية في علاج 7 مرضى أصيبوا بمرض كوفيد-19 مقابل 3 مرضى شاركوا في الدراسة كعينة ممثلة لـ”المجموعة الضابطة”؛ من أجل تقييم دور هذه الخلايا في تحسين نتائج العلاج. بالإضافة إلى ذلك، عمل الباحثون على تقييم التغيرات التي حدثت في وظائف المناعة وعملية الالتهاب لمدة 14 يومًا بعد العلاج بهذه الخلايا.

أحد المشاركين في الدراسة وهو “كون لين جين” – الأستاذ بقسم علم الأدوية وعلم الأعصاب، بمركز جامعة نورث تكساس للعلوم الصحية بالولايات المتحدة قال في لقاء معه: قمنا بعلاج 7 مرضى أصيبوا بالالتهاب الرئوي الناتج عن كوفيد-19 من خلال حقنهم بالخلايا الجذعية الوسيطة عدة مرات. وعلى حد قوله، كانت النتائج مثيرةً للاهتمام إذ تحسَّنت الأعراض التنفسية لدى المرضى بشكل واضح من دون ظهور أعراض جانبية، كما خرج بعض المرضى من المستشفى بعد 10 أيام من العلاج، مضيفًا أن هذا التحسُّن كان واضحًا أيضًا في صور الأشعة المقطعية التي أظهرت أن علامات الالتهاب الرئوي قلَّت على نحوٍ واضح فضلًا عن تحسُّن نتائج التحاليل. وعلى الرغم من قلة عدد المرضى الا ان النتائج التي توصلنا لها تبدو مبشرة وتعطي بارقة أمل.

 

لم تكن الدراسة السابقة الوحيدة التي استخدمت الخلايا الجذعية في علاج مرضى كوفيد-19؛ ففي مايو الماضي نشرت دورية “ستيم سيل ريسيرش آند ثيرابي” (Stem Cell Research & Therapy) دراسة أجراها باحثون صينيون، استخدموا فيها الخلايا الجذعية الموجودة في الحبل السري لعلاج مريض أصيب بالالتهاب الرئوي نتيجة مرض كوفيد-19.

ووفقًا لنتائج تلك الدراسة، فإن وظائف الرئة -وأعراض المرض الأخرى- تحسنت تحسُّنًا واضحًا بعد يومين فقط من نقل هذه الخلايا. كما زادت أعداد الخلايا الليمفاوية بأنواعها المختلفة، وهي التي تقل بشكل واضح لدى مرضى كوفيد-19 مع تطور الحالة.

كما نشرت دورية “ستيم سيل آند ديفلوبمنت” (Stem Cell & Development) دراسة لم يستخدم فيها الباحثون الخلايا الجذعية بشكل مباشر، لكنهم استخدموا أحد منتجاتها المعروف باسم “الحويصلات خارج خلوية” (Exosomes)، وهي حويصلات تفرز من الخلايا الجذعية وتحتوي على جزء من الحمض النووي للخلايا التي تفرزها؛ إذ يجري تناولها من قِبَل الخلايا البعيدة لتؤثر على وظائف هذه الخلايا وسلوكها.

هذه المرة كان الباحثون من الولايات المتحدة وشملت الدراسة 24 مريضًا وأشارت نتائجها إلى أن العلاج بهذه الحويصلات أدى إلى تعافي 17 مريضًا، أي نسبة تعافٍ بلغت 71%، وأن التحاليل الخاصة بهم تحسَّنت على نحوٍ واضح، وهو ما يشير -وفقًا للباحثين- إلى قدرة واعدة لهذه الحويصلات خارج خلوية على علاج مرضى كوفيد-19.

وحسب ما ذكره العلماء الصينيين، فإن امرأة صينية تبلغ من العمر 65 عامًا كانت في حالة صحية خطيرة بعد إصابتها بفيروس كورونا تعافت فجأة بعد إدخال الخلايا الجذعية لدم الحبل السري، إذ كانت المريضة متواجدة لمدة أسبوعين تقريبًا في وحدة العناية المركزة في عيادة باوشان في كونمينغ عاصمة يونان (الصين)، مقاطعة جنوب غرب الصين، بسبب الإصابة بعدوىCovid-19.

ولكن كما ورد في مقال نشره علماء من جامعة كونمينغ تحت إشراف الدكتور هو مين: بعد 4 أيام من الحقن الأول للخلايا الجذعية لدم الحبل السري، تمكنت المرأة من الوقوف على قدميها والمشي مجددا.

 

كذلك نشرت دراسة تجريبية في مجلة stem cell translational medicine  أجريت في جامعة ميامي ان استخدام الخلايا الجذعية على المرضى الذين تقل أعمارهم عن 85 عاما, ضاعف من فرصهم في النجاة من “كوفيد-19”.

واستندت الدراسة إلى 24 مريضا تم قبولهم في جامعة ميامي تاور أو مستشفى جاكسون ميموريال، حيث أصيبوا بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة الوخيمة بعد الإصابة بالفيروس – أعطي كل منهم حقنتين بفارق يومين عن العلاج الوهمي أو الخلايا الجذعية.

وبلغ معدل بقاء المريض على قيد الحياة في شهر واحد 91%، في مجموعة عولجت بالخلايا الجذعية – مقارنة بـ 42% لدى أولئك الذين عولجوا بدواء وهمي. ووجد الفريق أيضا أن وقت الشفاء كان أسرع لدى أولئك الذين تلقوا العلاج، حيث عاد أكثر من نصف أولئك الذين عولجوا إلى منازلهم في غضون أسبوعين من الجرعة النهائية.

وكان أكثر من 80% من المرضى خالين تماما من الأعراض في شهر واحد، مقابل أقل من 37% من الآخرين الذين تناولوا دواء وهميا بدلا من علاج الخلايا الجذعية.

وقال فريق البحث إنه لم تكن هناك آثار جانبية ضارة خطيرة للعلاج. وكشف ريكوردي وهو احد المشاركين بالدراسة أن الخلايا الجذعية لها نشاط مضاد للميكروبات يعزز تجديد الأنسجة، ويصلح الرئتين والأعضاء الأخرى.

وقال المعد الرئيسي جياكومو لانزوني: “تؤكد نتائجنا تأثيرها القوي المضاد للالتهابات ومعدلا للمناعة”، مضيفا أن الخلايا تمنع “عاصفة سيتوكين” التي يمكن أن تسبب الوفاة لدى مرضى “كوفيد-19” الحاد. وعندما تُعطى عن طريق الوريد، تهاجر الخلايا بشكل طبيعي إلى الرئتين، حيث يلزم العلاج عند المصابين بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة.

علاوة على ذلك, أكد العديد من الباحثين أن العلاج بالخلايا الجذعية هو اتجاه حتمي لعلاج الالتهاب الرئوي الناجم عن الفيروسات، مثل فيروس كورونا الجديد.

 

وقال ريكوردي: “تواصلنا مع إدارة الغذاء والدواء ووافقوا على تجربتنا ذات الشواهد المقترحة في أسبوع واحد”.

ويخطط ريكوردي ومركز زرع الخلايا التابع لمعهد أبحاث السكري، لإنشاء مستودع كبير من الخلايا الجذعية اللحمية الجاهزة للاستخدام ويمكن توزيعها على المستشفيات والمراكز في أمريكا الشمالية.

واخيرا وبعد ثبوت  نجاح الدراسات التجريبية في الحد من مضاعفات الضائقة التنفسية الحادة، تمكن “مركز ابو ظبي للخلايا الجذعية“ من تقديم العلاج لخمسة آلاف مصاب بفيروس كورونا المستجد من خلال العلاج المبتكر بواسطة الخلايا الجذعية, وجاءت الزيادة الكبيرة في عدد من تلقوا العلاج بالخلايا الجذعية نتيجة الجهود الحثيثة التي بذلها الموظفون في المركز لعلاج اكبر عدد ممكن من المرضى بعد قرار حكومة الإمارات إتاحة العلاج لأكبر عدد ممكن لجميع المرضى الذين تتراوح حالتهم الصحية بين المعتدلة والخطيرة.

 

References

Leng Z, Zhu R, Hou W. Transplantation of ACE2(-) mesenchymal stem cells improves the outcome of patients with COVID-19 pneumonia. Aging Dis. 2020;11(2):216-228. Available at: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/32257537.

Shu L, Niu C, Li R. Treatment of severe COVID-19 with human umbilical cord mesenchymal stem cells. Stem Cell Res Ther. 2020;11(1):361. Available at: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/32811531 .

 

Lanzoni G, Linetsky E, Correa D. Umbilical cord mesenchymal stem cells for COVID-19 acute respiratory distress syndrome: A double-blind, Phase 1/2a, randomized controlled trial. Stem Cells Transl Med. 2021;Published online ahead of print. Available at: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/33400390 .

 

شاهد أيضاً

صدور مؤلف جديد لتدريسي من كلية التربية بجامعة الكوفة بعنوان اساسيات الرسم بالحاسوب

صدر للتدريسي في كلية التربية بجامعة الكوفة الدكتور نضال العبادي كتاب جديد بعنوان (اساسيات الرسم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.